Monday, June 17, 2013

أخلاقيات لا إله إلا الله .. سيدنا إبراهيم عليه السلام



قال تعالى : "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ"
والسؤال هنا ، كيف تُسكِن أنت بمكانٍ لا سكن فيه ؟! ، فالخليل يقول "أَسْكَنْتُ" والمكان "بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" ، فبالمنطق البشري يقول إني تركت أو إني خلفت ولكنه سبحان الله يقول إني أسكنت وكأنه عليه السلام يرى بما يريه الله عز وجل أن هذا المكان هو السكن بالرغم من عدم توافر البنية الأساسية للعيش فيه وأنه يعتمد ويتوكل على الله وحده في هذا الأمر وإلا فإن الإنسان منا لا يستطيع العيش في مكان ليس به مياه وكهرباء وأثاث وطعام وخلافه من أساسيات العيش ، ولكن هؤلاء المصطفين الأخيار لا يهتمون بذلك طالما هم في معية الله عز وجل وحفظه وهذه من أهم اخلاقيات لا إله إلا الله ، وكذلك قوله في صدر الآية (ربي) لأن الرب هو المربي وكأن لسان حاله يقول يارب أنت تربيني على موائد كرمك وفضلك بالمنع والعطاء .
ثم نأتي إلي قوله تعالى "عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ" ، ونجد هنا أنه قدم عليه السلام إقامة الصلاة قبل أن يطلب من الله عز وجل الدعم من البشر والمخلوقات وإنبات الثمرات ، مع أنه من المنطق أيضاً أن يطلب الدعم أولاً ليقيموا الصلاة ، ولكن هؤلاء المصطفين الأخيار عندهم الإستئناس بالخالق عز وجل قبل الإستئناس بالمخلوق فهو يركن إلي القوي العزيز الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه والذي بيده وحده ان يعمر هذا المكان بالأفئدة والثمرات ، وهنا نقول أنك يا من تريد عزاً لا يفنى فلا تستعزن بشيء يفنى قال تعالى : "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ" ، فمن أراد أنيساً فذكر الله يكفيه ، ومن أراد جليساً فالقرآن يكفيه ، ومن أراد واعظاً فالموت يكفيه ، ومن أراد الغنى فالقناعة تكفيه ، ومن أراد الزينة فالعلم يكفيه ، ومن أراد جمالاً فالأخلاق تكفيه ، ومن أراد الراحة فالآخرة تكفيه ، ومن لا يكفيه هذا كله فالنار تكفيه !
والجدير بالذكر هنا يا إخواني أننا نعاني اليوم أشد المعاناة من القدوات المشوهة في معظم المجالات ، فنحن لم نأخذ من الغرب إلا أسوأ ما فيهم من أفكار ومعتقدات فاسدة ظاهرة كانت أو باطنة ، فتجد ولا حول ولا قوة إلا بالله من يفعل أو تفعل الأفاعيل في شكلها ولبسها وهيأتها وطريقتها في الحياة حتى تتسائل هل هؤلاء الناس مسلمون حقاً أم ماذا ؟ ولكن تعود وتتذكر قول الله عز وجل في حديث إبليس اللعين متحدياً للجبار تبارك وتعالى "وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ" ، يأمرهم وهو ليس له عليهم سلطان ، ولكن سبحان الله نجد الكثير منهم يطيع الشيطان طاعة عمياء نسأل الله السلامة ، وقد نقل لنا أحد علمائنا الثقات الكرام أن هناك إحصائية تقول أنه في عام واحد إستهلكت نساء 4 دول عربية 600 طن احمر شفاه وذلك من شركة واحدة ! وبالرغم من ذلك فمعظم هؤلاء النسوة يعانين من خيانة أزواجهن أو يعانين من مشكلات الطلاق التي لا تعد ولا تحصى في المحاكم لتجد في النهاية ان القضية ليست في أحمر الشفاه ولكن فيما يخرج من الشفاه .
لنعود مرة أخرى ونرتفع من الثرى إلي الثريا مع الخليل فيقول الله عز وجل : "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"
بدأ الخليل عليه السلام كلامه بـ (يابني) مما يدل على الرأفة والحنو لأنه مقدم على فعل خطير وأمر جليل لا يصبر عليه إلا القليل ، ثم قال (إني أرى) وتجد بالرغم من أنه قد رأى الرؤيا في الماضى وانتهت الرؤيا ولكن تجده يرويها لابنه في الزمن الحاضر لماذا ؟ ، ذلك ليشعره أنه ينقل له حقيقة وأمر واقع وليست مجرد رؤيا وانتهت بل هي رؤيا واقعية واجبة التنفيذ ، ثم تجد في قوله (فانظر ماذا ترى) فهو في الحقيقة لا ينتظر رداً من ولده أو رأياً ولا يريد منه فقط الطاعة لله عز وجل ولأوامره ، بل يريد منه شيء أعظم من ذلك وهو تشجيعه على تنفيذ أمر الله وإعانته على ذلك الأمر ، وكم من الأبناء اليوم يفعل ذلك مع أبيه ؟ بل نجد سبحان الله من يدفع أباه دفعاً نحو السرقة والإختلاس كي يوفي له إحتياجاته وطلباته التي لا تنتهي ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لذلك جاء قوله عز وجل "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" وهذا من أجل أخلاقيات لا إله إلا الله وهو أن تسلم وجهك لله عز وجل وتتبرأ من كل شريك وند له سبحانه وتعالى فكانت النتيجة "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" ، وهذه نتيجة ان تسلم وجهك لله ولا تجادل فيما ليس لك به علم فالمسلم الحق يسأل دائماً بم أمر الله ؟ وليس لم أمر الله ؟ فالحكمة هنا أن تطبق الأمر وتجتنب النهي سواء توافق ذلك مع عقلك أو لم يتوافق والجدير بالذكر هنا حديث المرأة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الحَصْبَةُ، فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمَوْصُولَةَ» ، فتجد الصحابية سبحان الله لا تجادل ولا تسأل او تلح ثانية في السؤال وإنما لسان حالها يقول (سمعنا وأطعنا) نسأل الله أن نكون مِن مَن يستمعون إلي القول فيتبعون أحسنه.

No comments:

Post a Comment